_____________________________________________________________________
كان يا مكان في سالف العصر و الأوآن، فتاة وحيدة أمها و أبيها اسمها “فاتن “، وكانت تعيش كالأميرات في دار مليء بالخدم و المقتنيات، وترعرعت “فاتن” مع انشغال ذويها بالسفر في بقاع الأرض لكسب المال و الاستجمام، و كانت “فاتن” تريد أن تملأ فراغ حياتها العاطفية منذ صغرها، فقامت بتبني الحيوانات الأليفة لعطفها الشديد على هذه المخلوقات، و وقوعها في غرامهم من النظرة الأولى، و لكنها كانت تضجر بسرعة بعد فترة قصيرة من رعايتهم و الاعتناء بهم، و كالطفلة المدللة الشقية تتخلى عنهم في لحظة فتور لتبحث عن لعبة جديدة تزيد من حماسها مرةً أخرى، و أخذت تبتاع حيوان بعد حيوان، و مرّت السنين، و أصبحت يافعة، و زادت عاطفتها أكثر من ذي قبل للعب و اللهو في الحياة، و هي ما زالت تتوق لمخلوق جديد يسعدها، و تستدرجهم للفوز بقلوبهم، و في لحظة فراغ عاطفي شديد، قررت “فاتن” اختيار “لعبة الخرفان” مع الرجال، و كان يسهل عليها تضحية حبهم عند أول شعور بالملل اتجاههم، و برعت في لعبة اقتناء الأحبة، و لبس الأقنعة المزيفة، و اتقان دور العاشقة أمامهم حتى يأتي اليوم الذي تضجر، و تستبدلهم بخرفان جدد، و قد تعلّمت كيفية الصيد، و فنون التحكم بالضحايا مع المختصات في صناعة “الخرفان”، و ذات يوم في إحدى حفلاتها الصاخبة و المترفة بالضيوف فاحشي الثراء، اكتشفت ضحية جديدة تجلس و تختبئ في زاوية مظلمة من الحفل، فتمعّنت “فاتن” في ضحيتها الخاطفة للأنظار، و كان يبدوا شاباً وحيداً مثلها، و تائهاً يبحث عن المخرج وسط الأهازيج و ضحكات الضيوف، اقتربت “فاتن” منه لإنقاذه من وحدته الخانقة، و لم يكن بيد ذلك الشاب المسكين أي حيلة للنجاة من شباك جمال و سحر “فاتن”، و هي قد تقمّصت دور البطلة المنقذة لوحدة ذلك الشاب التعيس، و بدأت بألاعيبها معه و أعترف لها الشاب بكل حزن :“أتمنى أن أصبح مثلك مليء بالحب و الجمال، فأنا أحسدك على ثقتك، و قدرتك على رؤيتي في ظلماتي، و كم أتمنى حياتك السعيدة التي هي عكس حياتي المؤلمة هذه الأيام، فأنا اسمي “متعب” و حقاً تعبت من حياتي البائسة.“
قامت “فاتن” بطمأنته أنها تستطيع إسعاده لو تتلّمذ لها و لاحق حبها، وافق “متعب” و سمح لنفسه بالامتثال لطلباتها، لما كان يجد فيه من عزاء لحالته المزرية، و أشفقت “فاتن” من ضياع خروفها الجديد في دوامة الحزن، وتجاربه التعيسة في الحياة، و أرادت تركه كل يوم لما يحمل ذلك الشاب في داخله من ألم و حزن غامض لم يرد الكشف عنه، و أرادت “فاتن” حل لغز ذلك العشيق، و معرفة كل متاهات عقله و دهاليز روحه، لكنها لم تكن معتادة على إرهاق عقلها و قلبها، و بكل برود، نطقت أمامه بكلمة جعلت “متعب” مفطور القلب، و لم يزد على كلامها حرفاً، و اختفى من حياتها الزاهية حاملاً معه جرح الحب، و لأول مرة تكتشف “فاتن” عذاب هجران “خروف”، و كانت تتوقع ردة فعل عنيفة منه، ولكن تصرّفه هذا أصابها بالذهول، فهي لم تجرّب استسلام لعبتها و ضحيتها بهذه السهولة مما جرح كبريائها، و أرادت تعذيبه أكثر، و تحقيره، متأملة هكذا بأنه سوف يغير معاملته معها، و يهرع لها جاثياً، و طالباً للود من جديد لكن دون جدوى.
كانت “فاتن” على شفا هاوية تشويه سمعته عند معشر النساء، و فجأة، يتصل بها “متعب” يطلب مقابلتها للمرة الأخيرة ليودّعها، و “فاتن” تطير من الفرح تعلن عن انتصارها بإعادة خروف إلى مزرعة حبها المزيف، و عندما أقبلت، أعلن لها سبب تجاهله لجنونها الجائز بحقه، و قال: “لقد تركتيني في وسط رحلتك، لكن كان هذا نهاية رحلتي، و آخر حب لقلبي المحتضر، و لا أستطيع كرهك مهما فعلتِ، فأنا أستحق ذلك لعدم صراحتي معك، و أبقيتك في الظلام خوفاً من رحيلك، لكنني لم أود أن تعلمي أن سبب حزني الدائم هو نهاية أيام حياتي، فما زلت أعشقك، و أتلهف إلى تمضية بقية عمري برفقتك، و أحمد الله إنك من أراد هجري، فلن تتحمّلي رؤية حالتي المتدهورة في الأيام المقبلة، لقد كنت لا شيء من قبل لقائي بك، و سأكون لا شيء بعد تركك لي أيضاً، و سأدعو لكِ دوماً أن تجدي من يستحقك، و من يستطيع قضاء وقته سعيداً برفقتك.“
لقد كان اعترافه بالحب الأبدي لها هو آخر اعتراف من “خروف متعب” تناله أيدي “فاتن”، و بعد كبش فداء الحب، لم تعد “فاتن” أهلاً له و لم يكن الحب سهلاً لها.,وأعلنت تلك الشابة بكل يأس أنها أحبّت خروفاً، وأصبح ذلك الخروف “متعب فاتن” درس لكل من أراد كسر قلب، و أمل عاشق.
- ملاحظة: مصطلح “خروف” يطلق عند انسياق الرجل لحبيبته و يصبح ضحية حب.