عمان – الاردن – حسين السنونة
___________________________
محارباً الظلامة والجهالة، منحازاً للفن والجمال والأخلاق كخيارٍ نهائيٍّ، يحط مهرجان المسرح العربي رحاله في عمّان التي شهد قصر
ثقافتها أمس، افتتاح فعاليات دورة دزينته الأولى، بالوفاء والمحبة والبهاء.
الحفل الذي حضره مندوباً عن جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين، معالي وزير الثقافة د. باسم الطويسي، تضمّن عديد الفقرات، لعل
في أكثرها معنى ودفئاً تكريم عشرة فنانين أردنيين من الجيليْن الأول والثاني، وفي أكثرها تجليّاً كلمة الهيئة العربية للمسرح، ألقاها
الكاتب الإماراتي إسماعيل عبد الله أمين عام الهيئة، فجاب فيها عيون الندى في الأردن، وصعد بحروفها وبلاغتها ورقيّ مقاصدها، أعالي
الفخار في بلادنا روادَ فنٍّ ومسرح، وآثار حضارة، ومباهج بناء، وعناوين شعر وحضارة وسلام.
في سياق متصل ألقى نقيب الفنانين الأردنيين حسين الخطيب كلمة الفن والفنانين , كلمة يوم المسرح العربي الذي يصادف العاشر من
كانون الثاني (يناير) من كل عام، ألقاها الفنان البحريني خليفة العريفي .
اما فقرات حفل الافتتاح توّجت بتقديم “مغناة السنابل” رؤية محمد الضمور وإخراجه , دلالة مفعمة حملها عَرْضُ شاشة حفل الافتتاح قبيل
بدء الفقرات بصور الفنانين الأردنيين أجمعين من مختلف الأجيال والتخصصات الفنية والتقنية الراحلين منهم، والعامرين بطول العمر.
أمين عام الهيئة العربية للمسرح الأديب إسماعيل عبد الله قال في كلمته التي لاقت تفاعلاً ساطعاً من جمهور الحفل
الذي ملأ جنبات قصر الثقافة:
“نمشي إلى عتبات تايكي، نطمئنها أن المبدعات والمبدعين قد وصلوا عمّونك سالمين، يبتغون وجه المسرح ويرفعون، للإنسانية السلام
والحرية، ويصلون،من أجل عدالة لا تهون، ومن أجل أوطان حرة، وإنسان مكلل بالحق والمحبة، من أجل حرب على الظلامة والجهالة بالنور
وبالثقافة، بالمسرح، من أجل مقارعة البشاعة بالجمال، ومن أجل مصارعة البلادة بالدهشة، من أجل محو الصمت بحلو
المعاني، ومحو الخوف بالأغاني، ومحو العجز بأجساد بليغة التعبير والكلام”.
عبد الله أظهر في جزء من كلمته حول تاريخ الأردن ومشهده الفني المسرحي وحواضره المشعة، درايةً مُحبةً عميقةَ المعرفةِ في الأردن،
وعكس حسّاً عروبيّاً شفيفاً رهيفا:
“ها هو المسرح على أرض عمان يجمعنا، شعباً لا شعوباً، قوماً لا أقواماً، في زمن التشرذم والشحناء والتناحر والتباعد، هنا في عمان
الوفاق والاتفاق، يوحدنا الألم فينبثق الإبداع والأمل، أولسنا هنا في عمان على مقربة نبضة القلب من دمشق أبي خليل القباني؟ أو لسنا
هنا في عمان على مقربة رفة الجفن من بغداد حقي الشبلي؟ أو لسنا هنا في عمان على مقربة شرارة الحب من فلسطين نصري
الجوزي، أو لسنا هنا في عمان على مرمى قبلة من بيروت مارون النقاش، أو لسنا هنا في عمان التي ترخي جدائلها فوق الكتفين
فتمسي في المغرب وتصبح في البحرين، يرتد الفجر يقبلها بين العنين، ويبارك الرب منازلها والأحبابا، عمان القلب العربي بامتياز وحق..
أولا يحق لنا أن نفرح ونعتز ونأمل ونحلم ونعمل ونبدع ونرسم رغم كل المحن ورداً يزين مداخلنا باباً بابا”.
إلى أن يقول:
“ما زالت أصوات أزاميل الأنباط وفؤوسهم تعطي للزمن أمثولة الجمال في بترا، وما زالت صخور بصيرا ترفع قامات الأدوميين المدافعين عن
الجمال،وما زال عجلون يصلي في محرابه للرب آمنا بعد أن بنى أسامة قلعته على قمة الربض وأمّنه صلاح الدين على صومعته التي
بقيت محروسة في القلعة لتشرع التآخي والأمان على أرض الأردن، وما زالت عين غزال تتدفق بالمعاني، وسهول حوران تنجب كل يوم
مبدعاً وتتغنى بأسمر اللون حوراني، وعرار يربط بعقال إربد شعر الحرية ويآخي بين الناس فلا عبد ولا أمة ولا إرقاء في أزياء أحرار، وما زال
النشامى يرددون عن مسرح الوطن مع فتى غريسا حبيب الزيودي:
يا حاديَ العيسِ ذا شعبي وذا وطني ما ذاقتِ العينُ من أوجاعِه الوَسَنا
إنا فرشناه طْيباً غامراً وندىً وقد ملأناه زهراً عابقاً وسَنى”.
عبد الله رأى في كلمته المزخرفة حلل وعي والمزدانة عروشَ لُغةٍ بكر أن المسرح العربي يحتاج في الظروف الراهنة أكثر من أي وقت آخر
إلى العمل وإلى السلام بين بناته وأبنائه، ويحتاج إلى “أن يقضي فرسانه الوقت في خلقه وليس في خنقه، مسرحنا اليوم بحاجة أكثر
إلى العلم، البحث، التحقيق، التوثيق، السجال المعرفي، يحتاج النأي عن تحويل التناقض إلى صراع، يحتاج النأي عن الصراعات الصغيرة
التي تؤدي إلى تحجيمه وتتفيه دوره، بحاجة إلى قبول الآخر فكراً وإبداعاً ومغايرة، بحاجة إلى إقدام الشباب دون أن تحبطهم رغبات من
شاخت قواهم الإبداعية، بحاجة إلى إقدام الشباب ونأيهم عن أن يتحولوا إلى عالة وطلاب رعوية المؤسسات التي تتحول في لحظات
التغيير إلى الحاكم المتحكم.. المسرح صنو الحرية، والمسرح صنو الأخلاق بالمفهوم القادر على تنمية الحرية والثقافة في أوصال
المجتمعات”.
عبد الله توّج كلمته بالإعلان عن تأسيس رابطة أهل المسرح بوصفها مبادرة جديدة من مبادرات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن
محمد القاسمي الذي كلّف الهيئة العربية للمسرح مباشرة العمل على المشروع خدمة للمسرحيين على امتداد الوطن العربي.
يقول عبد الله حول هذا المشروع:
“في هذا اليوم.. اليوم العربي للمسرح نعلن عن انتقال الحلم إلى حقيقة، والإرادة السامية إلى واقع، نعلن عن إطلاق “رابطة أهل
المسرح” من خلال تأسيس أول مراحل عملها وأقسامها “صندوق الرعاية الاجتماعية للمسرحيين”، رابطة تتطور بتطور وعينا وجهدنا،
لتكون عوناً لكل أهل المسرح المؤمنين به خلاصاً والمخلصين له، رابطة تهدف إلى المساهمة في حفظ كرامة المسرحيين
خلاصة العصر والأوان”.
نقيب الفنانين الأردنيين حسين الخطيب رحب في كلمته لحفل الافتتاح الذي أدار فقراته الفنانة أمل الدباس والموسيقي د. محمد واصف،
بالمسرحيين العرب، مؤكداً أن نقابة الفنانين الأردنيين “لم تألُ جهداً لتحقيق التعاون والمشاركة مع الهيئة العربية للمسرح منذ تأسيسها.
وإن إقامة هذا المهرجان في الأردن، بالتعاون مع وزارة الثقافة الأردنية، تجسد الحرص الأكيد على استمرار التعاون من أجل حركة
مسرحية محلية وعربية فاعلة”.
الخطيب قال في كلمته:
“أيها المسرحيون.. معكم وبكم نغزل معاً مشهد الإبداع من خيوط الشمس متدثرين بالمعرفة والسمو والإبداع، ومسرحكم هذا يُحاكي واقع
الأمة ويفلسف تجلياتها بحلوها ومرها والصور العطشى بشغف الفنان ورهافته وروحه الى حيث تمضي الأماني بالفن الهادف الرفيع.. ها
أنتم تصبون لروح القداسة حيث رميتم النرد في الأعالي… لتحلّق الأجنحة وتشق العيون سكون الكون وتهتف الحناجر.. أن… يا الله… يا
الله”.
في سياق التقديم وعرافة حفل الافتتاح احتفت الفنانة أمل الدباس بالكلمة، راكبة بساط المحبة نحو البلدان العربية المشاركة في
المِهرجان، رائية أن الشجر كلمة والحجر كلمة: “نورٌ آتٍ من السماء.. صاعدٌ من الأرض.. كونٌ.. نشيدٌ.. فرح.. من هنا مرّوا.. يَسْبَحون..
يُسَبِّحون.. رملُ الصحراء فلاتُهم.. يبنون حجارةَ عمّان.. يعانقون مآذنَ القدس.. يرنّمون صلاتَها.. القدس بوصلتُهم.. وصيةُ الهاشميين وصايتُهم
وعهدُهم”.
من جهته جاب الموسيقي د. محمد واصف في سياق عرافته للحفل، ربوع الوطن العربي بعيون المسرح وقلوب المحبة الصادقة، معلناً
فتح عمّان صدرها وقلبها ونبضها للأشقاء العرب سفراء أبي الفنون:
“من طريق آلام يسوع.. المسيح عيسى بن مريم.. وصولاً إلى مسرى النبي المصطفى، بالورد والحنّاء ينثر المسرحيون العرب دروب
المحبة.. يحيّون نخل العراق.. يزرعون بلاد الشام بالخيال والنقوش.. هنا دمشق وياسمينها.. هنا بيروت وبحرها.. هنا الجزائر تملأ أطلس
الخرائط.. هنا مصر ونيلها وأهرامها وقناديل الزمان الجميل.. هنا السودان قبس من سيرة هلالية لا تموت ولا تنتهي.. هنا تونس أرض
القرطاجيين الفاتحين.. هانيبعل يعانق خشبات مسارحها ويدق ناقوس الحياة.. هنا فضاءات ساحة جامع الفنا في مراكش المغرب.. هنا
ليبيا يعانق غربها شرقها وتمد في البحر صواري السلام.. هنا موريتانيا حنونة بلاد المغرب العربي.. ملامحنا ولغتنا وروحنا.. هنا عمّان تدوزن
الياهلا قيثارة من إيقاع أدراجها.. تموسقها بلحن عربي أصيل.. الجبال تحييكم.. نبضها يناديكم.. هنا لترحيب الناس لغة أخرى تصاغ
بالرموش.. تبدأ بالعين.. تنبع من رأس العين.. تجري مجرى الدماء في العروق.. هنا زهر اللوز يراقص بسمة البرقوق. هنا عمّان.. ويا هلا”.
في كلمة يوم المسرح العربي التي ألقاها الفنان البحريني الشامل خليفة العريفي، تأمّل العريفي مآلات الكلمة والحوار في المسرح
الحديث الذي يرى أن الكلمة تراجعت فيه، والحوار خبى بريقه لصالح لغة الجسد وتعبيرات الممثل وممكنات المخرج البصرية ورؤاه
السينوغرافية، وختمها بدعوة واضحة مفتوحة إلى الذهاب نحو المستقبل:
“يا أيها المسرحيون العرب، إذا اردتم أن تطوروا المسرح العربي ليصير عالمياً، فلا تقفوا عند الأمس، لا تقفوا عند اليوم، بل إذهبوا إلى ما
بعد الغد . لتطوروا المسرح العربي إذهبوا إلى ما بعد الغد”.
“أردن صدى صوتها
كنه صهيل الخيل
واعطور أنفاسها
بخور وقهوه وهيل
انموت بعيونها
لو سبلت تسبيل
بس ابهواها العلم
يرقص طرب وايميل”.
أراد المخرج محمد الضمور أن يوصل رسالة في “مغناة السنابل” من خلال تضمينه المغناة بصوت الفنان الراحل ياسر المصري الذي ألقى
الأبيات أعلاه.
إنها رسالة الوفاء التي لا يقوم المسرح بدونها، فالمسرح هو في الأصل انحياز نهائي لقيم الخير والمحبة والحق والمعنى، والوفاء معنى،
تماماً كما هو حب الوطن معنى سواء عن حبنا للأوطان بالعربية الفصحى أو بلهجة الأجداد والمحكي في يومياتنا:
“أردنا شمسك أبد
ما دنقت لغروب
عشنا الكرامه معك
ما فرقتنا ادروب
إحنا انزرعنا شتل
بترابك المحبوب
يا جنة الله على
أرضه ابهواك انذوب”.
فريق يحقق مفهوم المجايلة شارك في المغناة، وفي المقدمة من هذا الفريق الفنانة ليندا حجازي ملحنة ومشرفة. ومنهم يزن السقار
ويعرب سميرات، وفريق كبير عمل على إنجاز المغناة بصرياً وأدائياً.
معالي وزير الثقافة د. باسم الزعبي قدم للهيئة العربية للمسرح هدية تسلمها أمين عام الهيئة. الهدية لوحة تشكيلية تحتفي بالشعر
وعلاقته باللون.
الفنان التشكيلي كمال حلاوة أسهم بلمسة في حفل الافتتاح تمثلّت بلوحة عرضتها الشاشة الخلفية رسم داخل تفاصيلها معالم كبرى من
كل بلد عربي.
مشهد مؤثر تفاعل معه الجميع فوق المنصة وفي جهة الجمهور، عندما صعد الفنان يوسف الجمل ليأخذ دوره في التكريم يساعده ابنه
الفنان علاء الجمل فإذا بأمين عام الهيئة العربية للمسرح يذهب هو إليه، ويذهب معه وزير الثقافة ونقيب الفنانين وجميع من كان فوق
المنصة.
الهيئة العربية للمسرح كرّمت في حفل الافتتاح الفنانين والمخرجين والأكاديميين: د. باسم دلقموني، عبد الكامل الخلايلة، عبد الكريم
القواسمي، نادرة عمران، خالد الطريفي، مجد قصص، حابس حسين، حاتم السيد،نبيل نجم ويوسف الجمل.