أ. يحيى معيدي و قراءة نقدية لقصيدة “رداء الطهر” للشاعرة منى السعيدي

تاهتْ على متنِ المشاعرِ أحرفي

وبكتْ على صدرِ الحنينِ  سنينا

 

هزتْ جذوعَ الشعر علّ حفيفَها

يَروي الحَنايَا يُطربُ النسرينا

 

ياليتها طرقتْ ستائرَ نجمةٍ

تجلو  غياهبَ دائِنا وتقينا

 

ياليتها حملتْ رسائلَ مهجةٍ

لاتقبلُ التشكيكَ والتلوينا

 

أو أنها رهنتْ مسافاتِ الهوى

كي تكسبَ العطرَ الذي يحيينا

 

مالي أراها في السجونِ تربعت

والشمسُ فيها ترتجي التكوينا ؟!!

 

ماذا دهاها والورودُ  تنافستْ

كي تنعشَ النهرَ الذي يَسْقينا ؟!!

 

حتى الخمائلُ في الضلوع تهافتتْ

حملتْ  على أكتافِها  التأبينا

 

ركعتْ على بابِ القصائدِ علَّها

تزجي النِدا ..  وترددُ التلحينا

 

هذي غيومُ الوجدِ سحَّ وريدُها

تَهْمي على خدِّ الحبيب حنينا

 

فجرى على وحي الوريدِ صبابةً

يُذكي  لهيبًا بالجوى يَكوينا

 

وقضى على عزفِ الصريرِ ندامةً

أسطورةِ الشعرِ المموسَقِ فينا

 

وسقى مدادَ خريدةِ الحب الذي

يشكو الجفافَ ويطلبُ التحصينا

 

أوما مددتِ يدَ الوصالِ برقةٍ

تَهَبينَ عقمَ النائحاتِ جنينا

 

قومي فعرشك بالحنينِ قد اكتسى

وعليه درٌّ   للبيانِ   يقينا

 

فتهيأتْ خجلى تزفُّ رداءها

ووراءها طـٰـهرٌ  يذوب أنينا

 

وتعوذتْ من شر ِ هجرٍ قاتلٍ

متمكنٍ من نفثهِ تمكينا

 

واستجمعتْ كلَّ المعاني .. حطّمت

سدًا من  الأشواقِ  كانَ حصينا

 

“رداء الطهر” للشاعرة / منى محمد السعيدي , نص فاره جدا في مبناه ومعناه وشكله , لعل الأقرب في تصنيفه هو انتماؤه للمنهج التجديدي بمعناه الحديث الذي تبنته رموز شعرية كمطران وشكري وغيرهما، حيث أصبح ذلك المنهج هو الرمز المعبر عن سمات تلك النصوص التي تدور تحت مظلته..

رداء الطهر .. عنوان يوحي بما يتضمنه النص ، فالرداء غطاء حقيقي ملبوس كما أن الألفاظ رداء – أيضا- لما تحمله من معنى .. وصِفة الطهر مشتركة ، فالنص نابع من طهر يحكي الطهر..

النص حمل فرادة الكلمة ، وجمال الشكل، وبيان المراد.. فنحن أمام نص شعري أصيل بمفهومه !! يترجم ذلك الجمال الشعري المطلع الجميل بأسلوبه الخبري البديع.

تاهت على متن المشاعر أحرفي

وبكت على صدر الحنين سنينا.

ولعل القارئ يلمس تلك اللمسة الفنية الشعرية من البداية..فالتصوير مغرِِ، والقالب  في سبك متقن منسجم.

ويجدر هنا أن أذكر بيت المازني عن الشعر حيث يقول:

وما الشعر إلا صرخة طال حبسها

يرنّ صداها في القلوب الكواتم.

نعم ، فهنا في هذا النص صرخة وأي صرخة؟!, فقد أشعرت بتوهان الأحرف على متن المشاعر، وبكائها على صدر الحنين مدة من الزمن..!

استرسال خيالي معبر جدا ينبثق من بوتقة التميز ورؤاه ؛ ليرسم تلك الخلجات وكأنها كائن ينطق ، أو وتر يعزف عبر حداء الإيقاع!

جاء البيت الثاني كالأول خبريا على الضد من الثالث والرابع وبعض الأبيات الأخرى، وبهذا نلمس فنية الشاعرة في المزاوجة بين الخبر والإنشاء، وهو ما يحتاجه القارئ.

جمال الألفاظ وانتقاؤها بصورة دلالية موحية تصويرية، ترتبط بجميل الاستعارة ، وعذوبة الإشارة.

استخدمت الشاعرة الأسلوب البياني من كنايات واستعارات بعمق وبراعة مثل:

جذوع الشعر.

ستائر نجمة.

غيوم الوجد.

تاهت على متن المشاعر أحرفي وغير ذلك.

لغة الشاعرة  معبرة جدا معنى ومبنى، سهلة خالية من التعقيد والحشو المبتذل , جاء أسلوب الالتفات بين ضميري الغائب في الأبيات الخمسة الأولى , ثم انتقلت الشاعرة لضمير المتكلم ( مالي أراها) .

حضور الصور الحركية بوضوح مثل:

هزت جذوع النخل.

يروي الحنايا.

ركعت على باب القصائد.

وكثير وكثير.

انسيابية الأبيات وانسجامها يدل دلالة واضحة على قدرة الشاعرة في توزيع الإيقاع الموسيقي حسب القالب اللفظي..

من الدلالات الجميلة :

رهنت مسافات الهوى.

في السجون تربعت.

عزف الصرير.

مداد خريدة.

وغير ذلك مما لا تتسع له هذه التجليات.

اختارت الشاعرة البحر الكامل الراقص المطرب، مع قافية النون البديعة لتصدر صوتا أغن عذبا، ولذلك جاءت الموسيقا في غاية الانسجام والجمال.

وأخيرا .. يطيب لي – وأنا أدندن على جمال هذا النص وشاعريته – أن أذكر قول العقاد:

( الشاعر الحقيقي هو من يشعر بجوهر الأشياء وليس من يعددها) , ولعل الشاعرة هنا أشعرتنا بجوهر الأشياء عبر موهبتها وخيالها البديع.

عن afaf

شاهد أيضاً

لماذا نقرأ ؟.. بقلم الكاتبة فائزة بحري

لماذا نقرأ ؟.. تصدر الأمر الرباني بقوله اقرأ أوائل ما أنزل على النبي الأمي صلوات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *