بيروت – محمد برجي
____________________
في تجربةٍ تدريبيّة استثنائيّة، تولّى الفنان القدير داود حسين، تدريب عددٍ من الطلاب المشاركين في ورشة فنية خلال برنامج «الملاذ المسرحي» في «أكاديمية لوياك للفنون الأدائية – لابا» وقد تمحورت الورشة حول كيفيّة بناء الشخصية الكوميديّة والتفاعل مع المشهد وتوظيف الحركات الجسدية والتعبير اللغوي.
اختتم الفنان والممثّل الكوميدي داود حسين الورشة الأخيرة من مختبر التمثيل ضمن فعاليات «الملاذ المسرحي» 2021، خاصّاً «أكاديمية لوياك للفنون الأدائية» (لابا) بورشة عمل حول «كوميديا الشخصية»، وهي الورشة التدريبيّة الأولى من نوعها طوال مسيرته الفنيّة والكوميديّة العريقة، ليضع بذلك خبرة أكثر من 40 عاماً في متناول الشباب التوّاقين إلى الانطلاق والتميّز في مجال الفنون والتمثيل والمسرح.
وكان المختبر، الذي انطلق مطلع سبتمبر 2021، قد حفل بسلسلة ورش عملٍ تدريبيّة في مجال التمثيل والمسرح، شملت ورشة «القراءات الأولى للممثّل» والتي قدّمها المخرج والكاتب الأميركي بيت دانلسكي، وورشة «التدريب الصوتي للنصوص الشعرية والكلاسيكية» أدارتها المتخصّصة في الأداء الصوتي، المدرّبة الأميركية ماندي فوكس، وورشة «المناصرة من خلال الأداء» قدّمتها مدرّبة التمثيل اللبنانية سارة عطالله، وورشة «طرق الإبداع المسرحي» قدّمها الممثّل والكاتب والمخرج المسرحي والموسيقي الإيطالي فابريزيو بلادين، والختام مع ورشة كوميديا الشخصية التي قدمها الفنان داود حسين.
ففي تجربةٍ تدريبيّة استثنائيّة، تولّى حسين تدريب عددٍ من الطلاب المشاركين في الورشة الأخيرة من برنامج «الملاذ المسرحي في مقر الأكاديمية في المدرسة القبلية»، وقد تمحورت الورشة حول كيفيّة بناء الشخصية الكوميديّة، والتفاعل مع المشهد، وتوظيف الحركات الجسدية والتعبير اللغوي، والأهم من ذلك، نوّه إلى ضرورة أن تكون الكوميديا «نظيفة».
وفي معرض تعليقه على الورشة، أعرب حسين عن سعادته العميقة بمشاركته وتعاونه مع «لابا» من أجل «تقديم بعض «النصائح والتمارين لشبابنا، نجوم المستقبل»، مضيفاً: «إنّها تجربتي الأولى في التدريب، لكنّني شعرتُ أنّ الشباب المشاركين هم بالفعل أبنائي وإخوتي الصغار».
وذكر: «منحتني ورشة الكوميديا فرصة التواصل مع الشباب، وتقديم ما تيسّر من معلوماتٍ وإرشاداتٍ ضروريّة، وتذكّرتُ معهم كبار الفنّانين الراحلين الذين وقفوا بجانبي، وقدّموا لي الدعم والإرشاد والتوجيه السليم، بينهم عبدالحسين عبدالرضا، وغانم الصالح، وأحمد الصالح وغيرهم الكثير من الأساتذة المعروفين، الذين كان لهم الفضل الكبير في متابعة مسيرتي المتواضعة».
ورأى الفنان الكويتي أنّ «عجلة الحياة تدور»، وأنّه آن الأوان لينقل بدوره كلّ ما اختبره وتعلّمه إلى «عقول هؤلاء الشباب الذين اختاروا «لابا»، متطلّعين إلى تعلّم أساسيّات الكوميديا والمسرح».
من جهته، قال المشترك حسين عبدالرضا، الذي استهواه الفن وعمل في مجال المسرح والتلفزيون والإذاعة لفترة طويلة، إن «الفنان داود حسين، هو بنظري الأب والفنان، الذي تستفيد وتتعلم منه الكثير، فتعوض ما فاتك من فنون المسرح كالتعبير عن النفس، الإلقاء، كسر الحواجز والخوف»، مضيفا: «المسرح عبارة عن بحر وعالم كبير يتطور بشكل يومي، والأستاذ داود تاريخ كبير في هذا المجال».
بدوره، لفت المشترك داود أشكناني إلى أن «الورشة ساهمت في تعزيز سرعة البديهة والثقة بالنفس، حيث اعتليت المسرح للمرة الأولى في حياتي، وقدمت مشهدا بسيطا وسريعا، وكانت تجربة جميلة جدا، أدركت معها شغفي بالمسرح، وانتابني شعور رائع، كما قدمنا ستاند أب كوميدي بشكل ارتجالي، وهي المرة الأولى كذلك في هذا المجال، لقد اكتسبت مهارات عديدة يمكن تطبيقها لسنوات طويلة في عالم الكوميديا والمسرح».
وأشاد المشترك سالم الحداد بما منحته أكاديمية «لابا» من فرصة للفنانين المبتدئين، «حيث كان المجال مفتوحا أمامنا لنعبر عن أنفسنا، حتى ولو لم نمتلك قدرا من الثقة بالنفس، فلا أحكام هنا، بل تعلم وتطور، الأمر الذي ساعدنا على اكتساب المهارات من أخطاء بعضنا، وبالتالي جمع حصيلة معلومات لا تقدر بثمن».
وفي الورشة الأولى، التي انطلق معها مختبر التمثيل، ركز المدرب الأميركي بيت دانلسكي على المضمون وإكساب الطلاب الأدوات والمواد العملية، وأشاد بتفاعلهم وتجاوبهم رغم تفاوت خبراتهم وفئاتهم العمرية، فالمضمون محوري ومهم لكل ممثل من أجل إتمام القراءة الأولى لنصوص التمثيل».
وأشار دانلسكي إلى أنه كان يفضل التدريب الواقعي وليس الأونلاين، «نظرا لأهميته للممثل»، مشيدا بـ»النقاش الجماعي ومخرجاته القيمة، والجهود التي بذلتها أكاديمية لابا لناحية التجهيزات اللوجستية وسرعة التواصل بأحدث التقنيات، ما ساهم في تسيير الورشة الافتراضية بشكل سلس».
ورأى أن «تنوع اللغات أضفى على الورشة تميزا ومتعة واضحة، فكان من الجيد أن أستمع إلى اللغة العربية، وساعدت عملية الترجمة على تحقيق التواصل الفعال بيني وبين الطلاب، الذين لا أتعامل معهم كممثلين فحسب، بل كمخرجين وكتاب، ولمست تقدما ملحوظا في شخصيتهم ومهاراتهم، حيث باتوا يتمتعون بحرية وثقة أكبر في المشاركة والتعبير».
من جهتها، أعربت الطالبة سميرة الوهيبي عن سعادتها بالمشاركة في الورشة التي أغنت خبرتها المتواضعة وأكسبتها مصطلحات فنية وتقنية في مجال التمثيل، قائلة: «شملت الورشة العديد من الجوانب التمثيلية، بينها كيفية قراءة النص بأبعاده، وصولا إلى التعبير الجسدي والبعد الفكري للممثل وتحليل بعض الأمور والتفاصيل، ولعبت الترجمة دورا أساسيا في تعزيز التواصل وروح التعاون».
وأضافت الوهيبي: «أما في مجال الإخراج فقد ساعدتنا الورشة على دراسة وتفكيك بعض الأعمال المسرحية والسينمائية خلال فترة بسيطة، وركزت على القواعد اللامحدودة للإخراج ومفاهيمه بصور مختلفة»، لافتة إلى أن «علم المسرح والسينما يتطور مع تطور العالم والمجتمعات»، وتمنت «تنظيم دورات متخصصة في الإخراج والسينوغرافيا، كونها مهمة للملاذ المسرحي».
وأكدت الطالبة سالي فرج أن درب التعلم طويل مهما كان الممثل محترفا، مضيفة أن «هذه الفرصة جاءت بوقتها، وزودتني بأدوات وتقنيات جديدة لتطوير أدائي، علما أنني خريجة مسرح، وحائزة العديد من الجوائز، وشاركت في أكثر من مهرجان، لكن فعلا مهما بلغ الإنسان مستويات علمية متقدمة، يبقى أمامه الكثير لتعلمه»، وتابعت: «ثابر المدرب على تمكيننا من المعلومات الأساسية ومراجعتها معنا، لذا اكتسبت طرقا جديدة وأسلوبا مختلفا عما تعلمته في المعهد، لناحية تحليل النص المسرحي، وقراءة ما بين السطور».
أما الورشة الافتراضية الثانية فقد أدارتها المدربة الأميركية ماندي فوكس، وتمحورت حول «التدريب الصوتي للنصوص الشعرية والكلاسيكية»، وتم تزويد المنتسبين بالمهارات والأدوات الكافية التي تؤهلهم لأداء النصوص من خلال التحليل الإبداعي والألعاب والتمارين البدنية، حيث اختار المنتسبون بأنفسهم مشهدا مدته دقيقة واحدة لأدائه، ولمسوا من خلاله كيف بث أداؤهم الصوتي الحياة فيما يقرأون.
فوكس، التي نوّهت بـ «جهود أكاديمية لابا لناحية تسهيل انعقاد ورشة العمل وتحقيق أهدافها المرجوة»، قالت: «ركزنا على أهمية إتقان الممثل لمهارات الأداء الصوتي، مما يساهم في إعطاء النص الشعري قيمته الأدبية، من خلال التعمّق به عن كثب وإدراك الأساليب الشعرية المتاحة».
وإذ فضلت لو كانت الورشة حضورية، من أجل «تطبيق التمارين العمليّة والتفاعل والغوص أكثر في الجوانب الشعرية»، أشارت إلى أنه «على الرّغم من الاختلافات اللغوية، تمكن الطلاب من التجاوب وإبداء الملاحظات وتبادل الآراء ووجهات النظر».
ولدى الوقوف على آراء المشاركين والمشاركات، أكد الطالبان فواز حمادة ونور البغدادي حجم الاستفادة والآفاق التي فتحتها الورشة، خاصة عندما اتسمت مواد الورشة الوضوح والمرونة.
من جهتها، وصفت الطالبة نورة البرنس مواضيع الورشة بـ «المفيدة والرائعة، فقد سمحت لنا بالتعرّف إلى زوايا جديدة للتفكير والأداء وقراءة النص، من ناحية الصوت والانفعالات. فأنا ممتنّة جدًا لأكاديمية لابا على هذه الفرصة الشيّقة، مع تمنياتي لها بدوام التقدّم والتعاون، من أجل ترجمة مكتسبات الورشة على أرض الواقع، ما يحقّق النتائج المرجوّة والمتميّزة».
بدوره، تحدث الطالب رائد البلوشي عن «أهمية الورشة، فالنصوص الشعرية التي تدرّبنا عليها أساسية للممثل، بحيث يتقن معها حرفة تحويل النص من كلماتٍ على الورق إلى مشاعر وأحاسيس تجسّد الشخصية المطلوبة. كما شملت الورشة تمرينًا حول مخارج الحروف وطريقة التنفس وتحريك عضلة الفك خلال أداء المشهد التمثيلي».
وتمحورت الورشة الثالثة للملاذ المسرحي حول «المناصرة من خلال الأداء»، بحيث تولت المدربة اللبنانية سارة عطا الله، تنمية مهارات العمل الجماعي لدى المشاركين، وتمكينهم من مواجهة التحديات السياسية والاقتصادية، وتعزيز قدرتهم على التعامل مع مسألة اختلاف الهوية والانتماءات.
وعن أهمية هذه الورشة، قالت: «ركّزتُ على تطوير المهارات المسرحية، باعتبار المسرح منصة حيويّة لحلّ النزاعات ومناصرة القضايا المصيريّة. فالمسرح لا عنف فيه ولا أي مشادات كلامية، إنما ينقل الواقع الحقيقي المقموع ويجسّده بطريقة فنية توطد أواصر العلاقة بين الممثل والمشاهد، بحيث تخاطب عقول الحاضرين وتلامس وجدانهم وأحاسيسهم، على شكل رسالة اجتماعية وفنية راقية».
وإذ أثنت عطا الله على «جهود أكاديمية لابا في تعزيز دور المسرح وترسيخ آفاقه وإمكانيّاته»، أبدت إعجابها بالمشاركين «الذين أتيحت لهم فرصة الاطّلاع على مواضيع وأدوات جديدة».
من جهتهم، أجمع الطلاب على أن الورشة قاربت الجانب الإنساني للمسرح، خصوصا أن العديد من الأشخاص والفئات يبحثون عمن يسرد أوجاعهم وقضاياهم بشكلٍ عميقٍ مؤثر. ما اكتسبوا منظوراً جديداً قراءة النص والتفكير في طريقة الأداء والانفعال، بما يحقّق أفضل أوجه التعبير عن القضية التي تدور حولها المسرحية و طرق الإبداع المسرحي.
أما الورشة الرابعة التي قدمها المدرب الإيطالي فابريزيو بلادين، فتطرّقت إلى «طرق الإبداع المسرحي. وتلقى المشاركون خلالها التدريب الفني المسرحي في صورة تمارين حركية بهدف بناء الصفات والتصورات للمشاهد المسرحية. كما تعلّموا تقنيات مسرحية عديدة مثل الارتجال الفني، والارتجال الموجه، والارتجال الخالص، وخلق المشاهد.,وكان لهذه الورشة إضافة للمشاركين لجهة توظيف لغة الجسد وإتقان أسلوب التعبير والتركيز على بعض الحركات الأساسيّة.
وفي الحفل الختامي للملاذ المسرحي، تم تكريم الفنان داود حسين بدرع سلّمه إياه كل من رئيسة مجلس إدارة «لابا» فارعة السقاف، ورئيس قسم الفنون المسرحية وعضو مجلس إدارة «لابا»، د. خليفة الهاجري، أعقب ذلك توزيع الشهادات للمشاركين الذين قدّموا عروضاً ارتجالية لتتويج فترة تدريباتهم.
يُعنى الملاذ المسرحي، الذي انطلق بنسخته الثالثة في أغسطس، بثلاثة عناصر من عناصر المسرح، تأتي بهيئة مختبراتٍ تدريب، هي مختبر الكتابة المسرحية ومختبر السينوغرافيا ومختبر التمثيل، حيث توفّر ثلاثتها تدريباتٍ مكثفة ومتكاملة تكون نظرية وعملية لمحبّي المسرح، من هواة جادّين وفنّانين محترفين.
ويتعاون الملاذ المسرحي مع نخبة من المسرحيين والأكاديميين الكويتيّين والعرب والدوليّين لإثراء الورش وتقديم الإستفادة الأكبر للمتدربين.
وكانت «لابا» قد أطلقت الملاذ المسرحي الأول في سبتمبر 2019، وأصرّت على تقديم الملاذ المسرحي الثاني في 2020 بورشٍ افتراضية، بسبب ظروف وباء كورونا، والتي تمّ التنسيق لها على مستوى عال وجهودٍ مكثفة استغرقت شهورًا من التنسيق، وكانت قد أثمرت نجاحًا كبيرًا للبرنامج، أثبتت «لابا» من خلاله أن إرادة الحياة أقوى من أيّ صعوبات تواجه الإنسان، وأنّه من خلال الفن والإبداع يستطيع تطويع واقعه وتحسينه.
البرنامج، الذي يستقطب الفئة الشبابيّة، يهدف إلى المشاركة في إثراء المشهد الثقافي بالكويت، والمساهمة في اكتشاف وتطوير المواهب الفنية، وتفعيل دور المسرح في البناء الحضاري وتفعيل دور الفنون الأدائية كقطاع ثقافي واقتصادي في الكويت والدول العربية.