رعبٌ في الأعماق .. بقلم الكاتبة د. غادة ناجي طنطاوي

سئمت من تسارع دفة الأحداث حولي.. أخبارٌ عن الإرهاب، نظرياتٌ عن مؤامرة تلوح في الأفق، مشاهدٌ لأطفالٍ مشردين، تفاقم جائحة كورونا، عالمٌ افتراضي يهدد باختفاء واقعٍ ملموس، سوء الوضع الإقتصادي وتأثيره سلبًا على كل من أحب..!!

 

سمعت قصةً لصديقي الكاتب محمد شعبان، بعنوان (غيوم الموت)، وكم أخَافتني قصته، ..مع أنها لم تحتوي على مشاهدٍ مرعبة..!! إلا أنها نوهت عن أجنداتٍ تم التحضير لها منذ عام ١٩٥٢، حربٌ نووية، مجاعةٌ، وظلامٌ دامس. وفي قناعتي الشخصية ما نُوِه عنه، ماهو إلا زخمٌ من الشائعات التي تسبق واقعًا مرير. لم أعد أجد ما ينفض عني همومي ولو لبضع ساعات.. لا شِعرٌ يسليني ولا برامجٌ تنفض عن قلبي الهموم، حتى المسلسلات والروايات جميعها تنضح بنفس مافي الإناء من يأس.

 

ذهب الزمن الجميل بكل مافيه..!! اختفت الطفولة واندثر زمن البراءة، حتى الرسوم المتحركة حُرِفَت إما لأغراضٍ سياسية أو اجتماعية..!! لم أعد أشاهد سوى أفلامًا عن حرب الكواكب، تفشي مرض زومبي، وألعابًا إلكترونية منحرفة، نسمع بسببها الآف التحذيرات، إعلاناتٌ مسيئة حتى على مستوى عقول الأطفال..!! منظمةٌ عالمية تحذر من حروبٍ بيولوجية قادمة، وأخرى تتنبأ بدمارٍ شامل لكوكب الأرض..!!

 

وعلى ساحة المشهد السياسي، شواهدٌ لقبورٍ تصرخ باسم الماسونية، تنبؤات بانقطاع الإنترنت وليلٌ حالكٌ يحتضن العالم، شائعاتٌ عن جيش دجال، انتشرت كالنار في هشيم العقول..!! اغتيالات لشخصياتٍ بارزة وسقوط أيقونات دينية، استترت لفترةٍ خلف رداء العفة والفضيلة..!! لم أعد أشعر بالأمان. لم أجيد الحزن يومًا.. أكره التعاسة ولا أحتمل وجود التعساء حولي، لكن بداخلي طفلٌ حزين، يصرخ مستغيثًا كلما اغتَالوا المتبقي من أحلامه..!! ينتابني خوفٌ عميق كل لحظة من فقدان فردًا من عائلتي أو بعض الأصدقاء.

 

هل هذا هو المستقبل الواعد..؟؟ لا شئ فيه يشبهني..!! ولا حتى يقترب من أحلامي..!! أعدموا كل لحظات السعادة، قطعوا أواصر المحبة، مات حس الإنتماء للعائلة بداخلنا، أصبحنا نخشى الصديق قبل العدو..!! كأن الجميع مهيأ للهلع منذ وقتٍ طويل، وكان فقط بانتظار اللحظة المواتية. عندما اقتربنا من الألفيّة الأولى، اعتقدنا بأنها القيامة الموعودة، فساد مزاجٌ من الهلع والقنوط فيما تعددت الطرائق الدينية المنعزلة وتناثر المُهرطقون، وهذه غريزة العقل البشري، كلما ألمّت بنا الكوارث، تخلينا عن المنطق وتمسكنا بالأفكار الغيبيّة والشّعوذة والأساطير.

 

تلتها ألفيةٌ ثانية ملغمة بظواهرٍ كونية أصابتنا بالفزع..!! لم أتعلم في فترة الحظر سوى الدخول في مغامراتٍ مرعبة..!! متابعة الأحداث، تحليلٌ جنائي، استجواب الشرطة لبعض الأفراد المتورطين في حدثٍ معين، و من ثم  الحديث عن كل ماسبق مع بعض الأصدقاء، الأمر الذي يدفع عقلك لتعزيز أحداث هذا الفيلم المرعب وانتظار المزيد..!! حاولت الهروب مجددًا فسمعت طبول الكواراث تدق من حولي، وجدت أمامي سيلًا لجرعاتٍ من العنف سَرَت بداخلي لتدعم فكرة الخوف في اللاوعي.

 

بداخلي قناعة أن كل مايدور حولي، ماهو إلا تهيئة مدروسة لتقبل مستقبلٍ مجهول الهوية.. قاسٍ في كينونته.. مبهمٌ في تفاصيله..!!  أغلقت هاتفي.. ابتعدت عن أصدقائي.. التزمت المنزل و اكتفيت بعائلتي.. ومازال قلبي يعيش حالةٌ من الهلع، في كل مرةٍ أرى فيها الشريط الأحمر للأخبار.

عن afaf

شاهد أيضاً

لماذا نقرأ ؟.. بقلم الكاتبة فائزة بحري

لماذا نقرأ ؟.. تصدر الأمر الرباني بقوله اقرأ أوائل ما أنزل على النبي الأمي صلوات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *