جدة – وفاء بنت إبراهيم باعشن
____________________________________________
أثناء سقوط قطرات المطر خارج المقهى في البلدة الساحلية، دخلت سلوى من باب المقهى لتجلس في زاويتها المفضلة، و كعادتها تطلب كوباً من القهوة الساخنة حتى تقضي إجازتها الأسبوعية، لكن هذه المره أتت برفقة كتاب، و بدأت تقرأ بهدوء، و هي تلتفت بين الحين و الآخر إلى باب المقهى، و تحدّق بحزن إلى منظر هطول المطر على النافذة التي تجلس بقربها، و أخذ النادل يتقدم نحو طاولتها، و يحمل معه صينية الضيافة ليضع كوبين من القهوة كالمعتاد عند حضورها في كل مرة للمقهى، لكن سلوى هذه المرة تخبره، و هي تشير إليه بإصبعها رافضة وضع الكوب الزائد أمامها، و تحاول جاهدة التحكم بدموعها، و يدرك النادل حينها أنها أتت بمفردها، وأنها من اليوم ستجلس وحيدة دون وجود من يشاركها متعة احتساء القهوة، و تبادل الحديث.
اعتذر النادل من سلوى لسوء افتراضه، و أخذ من طاولتها الكوب الزائد و أعاده بسرعة، و بعد لحظات قليلة، تقدم النادل إلى العميلة الدائمة سلوى معتذراً، و قام بوضع هدية لطيفة في الكرسي الفارغ أمام طاولتها، و كانت الهدية دمية دبدوب كبيرة، متأملاً هكذا أن هذا الدبدوب سينسيها ألم الفراق و حزن قلبها، و تطوّع النادل بأخذ صورة تذكارية لها مع رفيق قهوتها الجديد، الذي سيقوم بمواساتها وهي في مرحلة التأقلم مع وحدتها، و كانت سلوى تبتسم لا إرادياً و هي تلتقط صورة مع الدبدوب اللطيف.
و بعد مرور مدة على قرائتها المنزوية في ركن المقهى و انتهائها من ارتشاف كوب قهوتها، ازداد هطول المطر بالخارج، و لاحظت سلوى في طاولة تتوسط المقهى عن وجود عائلة تحتفل بعيد ميلاد أحد أفرادها مع ارتفاع أصوات الضحك و التهنئة.
و عندما كانت تلك العائلة تشعر بالبهجة و السرور، كانت سلوى تجلس بمفردها بالركن بعين مكسورة، و روح مجروحة تحمل فقط ذكرياتها لفقيد قلبها، و رحيله الغير متوقع، و في وقت مشاهدتها إلى احتفال تلك العائلة أمام بقية الزبائن، استرجعت سلوى حينها ذكرياتها الجميلة مع ذلك الشخص الغائب، و كيف كان يجلس بجانبها و يقضيان الوقت معاً، و هما يتبادلا أطراف الحديث. و ها هي الآن تواجه نفس ذلك الكرسي الفارغ أمامها و الذي يشغل حيزه الدبدوب، و قد غمرها الشوق و الحنين إلى الماضي. و عندما شهدت سلوى توقف هطول المطر من النافذة، قررت أن تغلق الكتاب الذي تحمله، و تضعه داخل حقيبتها بين مقتنياتها الثمينة، و أخفت سلوى جيداً حقيقة وجود كتاب كانت تقرأه ذلك اليوم على الملأ، و عهدت على عقلها أن تكبت مشاعرها، و أن لا تفتح ذلك الكتاب من جديد، و أن تبذل جهداً لقراءة كتاب جديد. ثم خرجت سلوى تحمل معها دميتها اللطيفة بكل راحة و رضا.