ماذا بعد العيد ؟!.. بقلم / دلال كمال راضي

 

ها هي أيام العيد تنقضي، وتنقضي الإجازة ويعود كل إلى عمله ومشاغله، وبالتالي نجد تلاشي الكثير من الإيجابيات التي عايشناها في رمضان، فعلى سبيل المثال نجد أن البعض ممن كان يصلي الصلوات الخمس في أوقاتها، ويقوم الليل في رمضان، ربما صار حاله بعد رمضان تهاونا في أداء الصلوات في وقتها أو تفريطا في بعض الفروض، وربما قطعا تاما للصلاة حتى رمضان القادم والعياذ بالله، ومثل الصلاة بقية العبادات، وهناك البعض كذلك ربما لا يفرط في عباداته بعد رمضان ولكنه يفرط في أخلاقه وقواعد التعامل السليم مع الآخرين.

 

الحقيقة أن نمط حياتنا جميعا يتغير بعد انقضاء رمضان، وإن كان بدرجات متفاوتة من شخص لآخر ومن مجتمع لآخر، فلماذا لا تكون كل أيامنا رمضان؟! ولماذا لا تكون كل أيامنا أعياد؟ بحيث نستمر على نفس الوتيرة عبادةً وأخلاقا ومعاملة، فنظل نجتهد في أداء الفرائض الدينية، ونتبادل الزيارات، ونصل الأرحام، ونتبادل التهاني والتحايا، ونجعل البسمة مرسومة على كل الوجوه، والبهجة واضحة في كل العيون.

 

قد يكون السبب هو تباين ظروف الناس واختلاف طباعهم، والمتأمل في طباع الناس وخاصة بعد انقضاء العيد كموسم فرح للجميع يجد العجب العجاب، ومن هذا العجب أننا نجد أشخاصا لا تفارق الابتسامة محياهم، بحيث تلوح على ملامحهم السعادة والمرح، فنجدهم لا يكفون عن الضحك والمزاح حتى في أحلك المواقف، ونجدهم بعيدين عن تعقيدات الحياة ومتاعبها ليس لكونهم بدون مهامات ومسؤوليات؛ ولكن لأنهم تسلحوا بقوة الإيمان وعظيم التوكل على الله، والرضا التام بما قسمه الله وقدره، وبالتالي خلصوا من مسببات الهموم مثل التفكير في الرزق والخوف من الغد وغيرها من مشاغل الحياة العصرية، وكأن لسان حال الواحد منهم ونظرته للغد كما قال عنترة العبسي:

وإني لست مدخرًا طعامًا

حذار غدٍ لكل غدٍ طعامُ

 

كما نجد صنفا ثانٍ من الناس في طبع الواحد منهم تظهر اللامبالاه وعدم الاهتمام والاستهتار بأي نتائج سلبية مستقبلية، حتى وإن كان لديه المعرفه والقدرة على التنبؤ المنطقي بأحداث الغد، فنجد منهم أهمال العمل والتباطؤ في الإنجاز والذي ستكون نتيجته المنطقية مثلا الحرمان من الوظيفة والمال العائد منها.

 كما نجد كذلك صنفا ثالثا لدى الواحد منهم نوع من الغباء الفطري، فنجد سبب سعادته ومرحه وخلوه من الهموم هو عدم إدراكه للمسؤوليات المناطة به، وما يترتب على عدم انجازها من تعقيدات ومتاعب، بل ربما إذا وقع في المتاعب والمشاكل لا تؤثر في نفسيته كما تؤثر في غيره؛ نظرا لانعدام القدرة العقلية الكافية لديه لتقدير الأمور أو للتفاعل مع المشاكل والاستجابة شعوريا برد الفعل المناسب، فهذا الصنف هم كما يقول المتنبي:

ذو العقل يشقى في النعيم بعقلهِ

وأخو الجهالة في الشقاوة ينعمُ

 

وفي حين قد نجد أناسا الواحد منهم غارق في الهموم والمتاعب بحيث تظهر على ملامحه آثار الهم والحزن والاكتئاب، وقد يكون غارقا حقا في المشاكل والمتاعب ويبذل كل جهده وطاقاته وإمكانياته في التخلص منها وحلها بحيث يبدو عليه الإرهاق والإجهاد النفسي والتعب، بينما قد يكون غيره غارقا في الهم والغم دون وجود الأسباب التي توازي ما آلت إليه نفسيته المحطمة والمتعبة، فقد تكون المشاكل التي يشكو منها روتينية وبسيطة وقابلة للحل السريع والمعالجة التامة، ولكن الهم الزائد راسخ في نفسه نتيجة لخلل في تكوين شخصيتة يجعل تقديره للأمور غير منطقي، فهو عادة يميل إلى التشاؤم أكثر من التفاؤل، ويشعر بعدم الثقة بقدراته أو بالآخرين، وكما قال إيليا أبو ماضي:

إن من يجلب الهموم عليهِ

أخذتهُ الهموم أخذاً وبيلا

 

هذا ما استطعت ملاحظته وما خلصت إليه من طباع الناس، وحقيقة الأمر أنه لا يوجد إنسان خالٍ من الهموم والمشاكل، ولكن لا إفراط ولا تفريط، فهذه الهموم يجب أن تكون طاقة إيجابية للعمل والإنجاز ووضع الخطط المستقبلية المشروعة والمتماشية مع السعي المقرون بالتوكل على الله، وكما قال عليه الصلاة والسلام:( ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه).

 

من هذا المنطلق فإن إيماننا بالله يحتم علينا  أن نجعل من همومنا سلاحا يمنحنا العزيمة والإرادة للعمل والإنجاز، كما أننا بتوكلنا على الله سنقضي أوقاتنا في سعادة وقناعة وسكينة، وبالتالي ندع التفكير السلبي في المستقبل، وندرك أن المستقبل الحقيقي الذي يجب أن نعمل من أجله ونسعى إليه ونتنافس عليه ليس في هذه الدنيا الفانية والعمر المنصرم، ولكن حيث الخلود والنعيم المقيم في جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين، وأختم بقول الشاعر:

ما مضى فات والمؤمل غيبٌ

ولك الساعة التي أنت فيها.

  • العيد …

قدِ انقضى العيدُ لكنْ ما انقضى فرحي

لأنَّ في الـقـلـبِ أعـيـادٌ وأعـيـادُ

 

وفي احتفالاتِ روحي صوتُ عازفةٍ

تمـوسـقُ الـحـبَّ كي ينسابَ إنشادُ

 

ولـي بـكـلِّ الـزوايا نبضُ عاشـقـةٍ

الـعـشـقُ فـي قـلـبِـهـا أهـلٌ وأولادُ

 

مـيـلادُ فـرحـتِـهـا الكبرى محبتُهم

وفـي سـعـادتِـهـم للـقـلـبِ مـيـلادُ

 

همُ الحياةُ وهمُ كنزي الكبيرُ بها

وأعـظـمُ الـربـحِ أولادٌ وأحـفـــادُ

 

همُ الأمـاني التي أرجـو تحـقـقَـها

ولي بهم في ضفافِ الحُلمِ ميعادُ

 

أمطرتُ فيهمْ حناني والحنانُ هوىً

في نبضِ قلبي وهمْ للحبِّ أشهادُ

 

همْ خلّدوا العيدَ في عمري فلا طلَعتْ

شـمـسٌ ولا غـربـتْ إلا بما جـادوا

 

لهمْ وجودي لهمْ حبّي لهمْ شغفي

ومـا لـغـيـرهـمُ أصـغـي وأنـقــادُ

عن afaf

شاهد أيضاً

لماذا نكتب ؟.. بقلم الكاتبة / وفاء بنت إبراهيم باعشن

  نحن نكتب لأن الله قد أقسم بالقلم و ما يسطرون , إذاً القلم لها …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *