سمعت ذات مرة قصة تحمل عبرة عن شخصية مشهورة ترويها ممرضة في مستشفى خاص للشخصيات المهمة، و كانت المريضة والدة هذه الشخصية البارزة في الإعلام ، و كان الفريق الطبي متشوّق لمقابلة شخصية مؤثرة مثله في موعد زيارته لوالدته المسنّة في جناحها المعدّ لها خصيصاً، و الفخم جداً.
ثم حضر ذلك الرجل المشهور في موعده المحدّد للقاء الطاقم الطبي للاعتناء بوالدته ، و كان المنظر مبهر ، و لا يتكرر لتوثيق هذه اللحظة العاطفية ، و التاريخية بين الأم و الابن المشهور ، و كان الجميع متلهف لمعرفة كيفية تعامله مع والدته المريضة ، و ما سيكون شعوره عند رؤيته لوالدته بحالتها الميئوسة .
ثم بدأ ذلك الشخص المشهور يسأل الطاقم عن حالة والدته بقلق ، و يستفسر عن سبب طلب الدكتور لقدومه شخصياً ، و هو في أشد أوقاته انشغالاً ، و بادرت هذه الممرضة تشكي للرجل المشهور عن عدم تمكنّهم من إعطاء المريضة للأدوية بسبب امتناعها عن تناول الطعام ، و هذه الأدوية قوية جداً ، و المريضة تحتاج الأكل عن طريق الفم ، لكنها ترفض ! فأرجو أن تقنعها بما إنك ابنها …
و فجأة دون مقدمات ، أخذ الرجل المشهور يسأل والدته المريضة بكل انزعاج ، و بصوت مدوي حتى تسمعه ، و لا يعيد كلماته أكثر من مرة : لماذا لا تأكلين الطعام؟! كيف سيعالجونك بالأدوية إن لم تأكلي شيئاً؟! هذه الأدوية غالية جداً ، و هؤلاء من كبار الدكاترة ، و لا يستطيعون عمل شيء إن لم تأكلي!
لكن والدته المريضة كانت فقط تتأوّه من الألم ، و تتفوّه بكلمات غير مفهومة ، و استمر ابن المريضة يسألها بنفاذ صبر : أنا أتكلم معك لماذا لا تأكلين؟! جاوبيني؟ ألو..لا حول..لا أستطيع فهمك حقاً!
ثم قال للممرضة باستسلام : نادوا لي خادمتها الشخصية ، فهي ستفهم كلامها ، بما إنها كانت معها منذ طفولتي , ثم أخذ ذلك الرجل المشهور يسأل خادمة والدته الأجنبية عن تفسير ما تقوله الوالدة ، و كانت الخادمة تنظر له بتعجّب ، و تجيبه بلهجتها الركيكة، و المكسّرة : نعم، فأنت لا تفهم كلام والدتك ، لأنك أصبحت رجل كبير الآن ، و صعب فهم ما تريده والدتك!
هل نسيت عندما كنت صغيراً بلا أسنان كيف كانت والدتك تفهم طلباتك ، و تقوم بإلهائك حتى تأكل طعامك ، و أنت كنت تصرخ ، و تبكي بلا توقف!؟ .. أنا سوف أخبرك الآن ماذا تريد والدتك، و ماذا تريد منك.
و أخبرته الخادمة بقلب مفطور أمام الطاقم كله : هي تقول إنها لا تريد الطعام، و لا تريد هذه الأدوية , إنها تريد من ابنها فقط أن يقوم بإطعامها بيده، و هي ستتعافى حينها , إن والدتك المريضة تريد منك الجلوس معها، و تريد الحب فقط، و القليل من وقتك الثمين، و لم تطلب منك إحضار هؤلاء الدكاترة الكبار، أو شراء أدوية غالية لها.
و هكذا، تحطّم آمال جميع الموجودين، و ظهرت حقيقة ما تخفيه تلك الشهرة المزيفة , فإن أي مشهور يستطيع تمثيل دور الملاك أمام الناس، و إظهار أفضل صورة له حتى يصبح قدوة تسويقية بسهولة , لكن خلف الستار، يكون الواقع أحياناً مخالفاً لكل التوقعات .