- موقع مجلة نجمة السعودية ( قلم متعاون )
في أول يوم من أيام الدوام بعد انقضاء إجازة العيد، استيقظت على صوت المنبه وكأنه كابوس يطرق رأسي بمطرقة ثقيلة، لا رائحة كعك، لا ضحكة أطفال، لا تكبيرات، لا شيء سوى نشيش القهوة في المطبخ وهي تغلي بخفوت كأنها تعتذر لي.
أرتدي الملابس ذاتها والتي لم أشتق لها قط، أقف أمام المرآة كغريب يحدق في رجلٍ لم يعد يشبهه، ربطة عنق كأنها حبل مشنقة، وحقيبة كأنها مرافق ثقيل الدم، أخرج من البيت مكرهًا، الشارع يبدو خاليًا وكأن الحياة فيه مؤجلة حتى إشعارٍ آخر.
في المكتب الوقت لا يتزحزح، الساعة تكرر نفسها، تعيد نفس الدقيقة مرارًا، وكأنها تدور في متاهة تفضي لنفس اللحظة، الوجوه حولي تبتسم، لكن من خلف نظارات التعب، الحديث يدور حول العيد، لا رغبة في العمل، ولا بقادم الأيام، فقط حنين لأيام العيد التي مضت.
أحاول التركيز، لكن عقلي يركض في أزقةٍ لا تفضي إلى شاسة الحاسوب، أستحضر نكهات الطعام، ودفء القلوب، وظلال الأحاديث الحالمة، وفي قلبي سؤال ثقيل: هل الدوام بعد العيد اختبار للتحمل، أم عقوبة لم تُعلن بعد؟.
خارج الدوام، الفراغ لا يقل ضجيجًا، كل شيء باهت، المقهى المفضل يفتقر للموسيقى، السماء رمادية دون نجوم، خطوات الناس مشتتة، وأصواتهم منخفضة، وكأن المدينة نفسها تمر بمرحلة تثاؤب.
أعود للبيت مبكرًا، لا لشيء، فقط لأتذكر كيف كان البيت خلال العيد، أقلب صورًا في الهاتف، كمن يحاول إقناع نفسه أنه كان هناك حقًّا، أكتب لنفسي: “ما بعد العيد ليس مجرد عودة لروتين الحياة الممل، إنه حزن خفي، يتسلل كغبار ناعم، يُخفي ملامحك والأشياء حولك، ويتركك تبحث عن نفسك في اللاشيء”.
تضيق الخيارات أكثر وأكثر، فلا أجد مفرًّا من أن أغفو على أمل أن أستيقظ على دوامٍ يشبه العيد، أو في عيدٍ لا ينتهي.