جدة – وفاء بنت إبراهيم باعشن
_____________________________
في أحد الأيام، تلقّت الأديبة الشابة ” سارة ” كرت دعوة لحضور مناسبة أدبية نسائية، و ذلك للاحتفال بيوم ثقافي يتم فيه لم شمل العقول العظيمة والمثقفة في موقع واحد، و لم تكن سارة من مرتادي الحفلات والأمسيات الثقافية الراقية أو المميزة من قبل، و لكنها كانت في أوج حماسها لما سيتم مناقشته في هذه الجلسة المثرية بالمعلومات، و هذا اللقاء الأدبي الرائع للتعرّف بشخصيات مشهورة بأعمالها الأدبية و الفنية، و عندما اقترب موعد لقاء الأدمغة الفنية المميزة، وصلت سارة من بين الأوائل إلى المناسبة حتى لا تفوت عليها مناقشات قيّمة تفيدها في حياتها، و لتكسب معرفة من سماعها إلى خبرات الآخرين المختلفة في حياتهن. ثم تتفاجأ سارة بأن الدعوة الثقافية لم تكن منظمة كما كان مجدولاً في كرت الدعوة، و على الخلاف، تم القضاء على الأمسية الثقافية بكثرة الأحاديث الجانبية، و نشر الأدخنة بالممرات، و تصوير الضيوف زوايا ديكورات الأمسية الأدبية، و مختلف أركانها المبهرجة بعناوين توصي النساء بآداب الضيافة العربية، و أهمية وجود الثقافة النسائية بالمجتمع. كانت سارة ترى الحفلة عبارة عن توثيق حضور الضيوف لذلك اليوم المنتظر دون وجود مضيفة واحدة حقيقية تقود الحفلة “الثقافية” بمواضيع فيها منفعة لجميع الشخصيات الأدبية و الفنية، و كأن الجميع تمت دعوتهن لملء فراغ عناوين الجرائد، و الأيام المميزة بالثقافة و الأمسيات، أو لسد فراغ الكراسي الشاغرة بالحفل المصوّر إعلامياً، و لم يقتصر إفساد الأمسية هنا، بل استمر إحباط توقعات سارة حتى الإعلان عن فتح مأدبة العشاء التي تجمع العقول و لكنها تطعم البطون فقط، و توقعت سارة بأن وقت العشاء سيكون هناك بصيص أمل متبقي بداخلها للاستفادة من الأحاديث التي تتوسط الطاولة الطويلة، لكن خاب ظن سارة من جديد عندما ظهرت فرقة موسيقية تعزف الآلات، و الجميع يتناول الطعام على ألحان عزفهم، و هم يهتزون يميناً و شمالاً يعلنون عن استمتاعهم بالطرب الكلاسيكي، و تخيلت سارة بأن “موزارت” و “بتهوفن” هما نجما الأمسية الثقافية بسبب إنصات الجميع لماضيهما الموسيقي بكل حب و فخر.
حاولت سارة الاستمتاع بالأمسية الثقافية، و التي تحولت فجأة إلى أمسية موسيقية أجنبية، و قررت حينها التحدث مع من يجلسن بجانبها، و هنا توالت الصدمات لديها عندما اكتشفت ان أغلب الأحاديث النسائية التي تم التطرق إليها هي عبارة عن تناقل أخبار من عناوين الصحافة الصفراء، و ثرثرة مرهقة للسان حالهن يعبرّن عن تحقير و ذم الغير متواجدين بالأمسية، و كأن أحدهم أعطى لهم الحق بالحكم و التصويت ضد تصرفات الآخرين الغائبين.
هنا اقتنعت سارة بأنها وسط أحاديث زومبي مرعبة، و خافت جداً من أن يصيبها المرض كما أصاب أغلب الحضور من لعنة زومبي المتناقل بشكل خطير بالمجتمع، و على الفور، قررت أن تترك مأدبة عشاء زومبي بهدوء دون أن يتم ملاحظتها من المتضررات من صاحبات الأعين الخارقة, والألسنة اللاذعة، و خطت سارة خطواتها بحذر إلى الخلف، و لاذت بالفرار دون النظر ورائها، و بعد هروبها من حفلة زومبي كارثية، تنفست سارة الصعداء، و قررت الأديبة أن تكون غريبة عنهن بعد تلك الأمسية المخيبة للآمال، و أن لا تحكم على كروت الدعوة الجميلة من العناوين الجذابة في المرة القادمة، و علمت سارة كيف تختار بحذر شديد عنوان الحفلة الأدبية القادمة حتى لا تقع ضحية أحاديث في جلسات خاصة بجماعة الزومبي التي يُباح فيها أحاديث الغيبة و النميمة، و يمنع و يحتقر من يخالف طبع و إدمان النساء المبالغ بثقافات الغرب.
- مع تحيات الغريبة الأديبة، سارة