استوقفتني عبارة “أفشوا السلام” في بعض روايات الأحاديث لرسول الله عليه الصلاة والسلام، منها:« والذي نفسي بيده، لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أوَلَا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم»؛
و في رواية أخرى لحديث رسول الله عليه الصلاة والسلام:« يا أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصِلوا الأرحام، وصلوا والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام».
و طرحت تساؤلات لفهم ديني بطريقة أعمق بما ان كل مسلم عليه التفكر و التدبر،كيف يجب تطبيق إفشاء السلام؟..و هل معنى السلام هي التحية كما تم توضيحها لنا؟
فالسلام هو عكس الحرب، و الحب هو عكس البغض، فكيف نحب و ندخل جنتنا إن كنا لا نفشي السلام بيننا و ننشر المحبة الأخوية، و في نفس الوقت نؤمن بهذا الحديث عن رسول الله عليه السلام:« لا فضلَ لعربيٍّ على عجميٍّ ، ولا لعجميٍّ على عربيٍّ ، ولا لأبيضَ على أسودَ ، ولا لأسودَ على أبيضَ إلَّا بالتَّقوَى، النَّاسُ من آدمَ ، وآدمُ من تراب »
و من فترة ليست ببعيدة، شاهدت فئة تلقي محاضرة للتعريف عن الدين و مكارم الأخلاق، و تبدأ بتحية الإسلام، و لكن وجهها مكفهر التعابير، و نبرة أصواتهم غاضبة و صداهم يدوي القاعة المخصصة للمحاضرة، و عندما رأيتهم يرددون تحية الإسلام المتعارف لم أشعر بأي شعور محبب أو سلام داخلي بل كانت تحيتهم توحي لي بعكس ما قالوا و كأنها مُجبرة لتحية الغريب عن ملتهم فقط لنيل الأجر في ميزان أعمالهم التطوعية. و إن رأت هذه الفئة أفراد من الحضور يقفون للاستفسار دون أن تسلّم عليهم بتحية الإسلام، تنكر فعلهم هذا بشدة و تسخر للتشبه بقوم مختلف عنهم، و يتسائلون: أين ذهبت تحية الإسلام في هذه الأجيال !؟ السلام قبل الكلام!
و لكن ديننا يهذبنا بالقول (لا إكراه في الدين) فهناك أسلوب للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و لا يحق لأي شخص إحراج أحد أو الإساءة إليه بأي شكل من الأشكال بإسم الدين، و هنا سؤال يطرح نفسه، ما ذنب من يهاب التعامل، من المسلمين و غير المسلمين، مع أشخاص مكشرة الأنياب و ترفع أصابع التهم على من لا يرتدي مثلهم أو يرى الإسلام من منظور مثل ما وجدوا عليه آبائهم؟
فليس هناك دليل على وجوب حصر ديننا الجميل بلون واحد فقط، و تعميم أن بقية الألوان تعتبر فتنة للمؤمنين،و أستشهد بقوله تعالىٰ: ﴿ ومن آياته خَلْقُ السماوات والأرض وَاخْتِلَافُ ألسنتكم وألوانكم إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ للعالمين﴾ , و اطرح هنا بعض التساؤلات، فلماذا يحصرون الألوان الزاهية من علامات الانشغال بالدنيا؟.., ولماذا ينسى المسلم نصيبه من الجنة و متاع الدنيا؟
إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فعل جميل، لكن هناك طرق رائعة للقيام به، مع أخذ بعين الاعتبار دور العامل النفسي لشرحه من غير ضرر و لا ضرار، فلا أستغرب نفور الغير مسلمين من ديننا لأن الوجه الإعلامي في العهد السابق من الزمن كان غير محبب حتى لاعتناقه من قبل الملحدين نتيجة فئة متطرفة تولّت التعريف و الدعوة إلى الإسلام بالتهويل و الترهيب، و ليس بشرح قيم الإسلام السمحة، مكارم الأخلاق، التسامح الجميل، و نشر السلام.,قال تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾
و أنوه ان الطريقة الصحيحة لإفشاء السلام الموصى به في ديننا، هو تعامل الفرد المسلم مع القريب و الغريب، و امتثاله لجميع أوامر الخالق حتى يهدي الآخرين إلى الصراط المستقيم. فإن كان من واجبنا إفشاء السلام في العالم، فلا يحق لأي مسلم ترهيب الآخرين،فإن الله عز وجل أوحى لنبيه موسى عليه السلام بأن يدعوا فرعون الطاغية بالقول اللين : { ٱذۡهَبَاۤ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ إِنَّهُۥ طَغَىٰ . فَقُولَا لَهُۥ قَوۡلࣰا لَّیِّنࣰا لَّعَلَّهُۥ یَتَذَكَّرُ أَوۡ یَخۡشَىٰ} . , و بهذا المنطلق و الفكر، نجد سهولة اتباع الأوامر الدينية و تطبيق إفشاء السلام.