مقبرة الحكماء بقلم / وفاء بنت إبراهيم باعشن

 

عندما يزور الأشخاص المكتبات الهادئة من ضجيج العالم، يشعرون أنهم يزورون أصدقاء مميزين في بعد زمني آخر، و من ينوي الدخول إلى عالم الكتب يتعهد دون إدراكه بأن يكون من حاملي الوصايا لهؤلاء الأموات قبل الأحياء.

 فكم من مرة يسافر القارئ الشغوف عبر خيال الكتب إلى أماكن سحرية لا وجود لها في الواقع بل فقط في مخيلة كتّاب أدب الفانتازيا، و كم من مرة يرتحل القارئ النهم مع قصص ممتعة إلى أماكن خلابة في أدب الرحلات، وكم من قارئ عاطفي يقرأ في أدب الرسائل لأشخاص يشتاقون إلى من يجيب على رسائلهم التائهة عبر الزمن، و كم من قارئ يبحث عن الحقائق و يقرأ في القضايا المعلّقة في أدب السجون و يكتشف حينها إلى اعتزازهم في عزلتهم الموحشة عن العالم الخارجي، و مدى روعة حياتهم الجميلة التي تركوها بأوسع أبوابها لأنهم قرروا كتابة معاناتهم ثم تحوّلت إلى بطولات و أساطير تخلّد في تاريخ بلادهم المحتلة و الظالمة بقوانينها الغير منصفة بحق الفقراء و المساكين، و كم من قارئ يطلب العلم و يسافر مع أقلام الحكماء إلى داخل وعي جديد و يتعرّف على العقول المختلفة من خلال الأدب الفلسفي، و أما القارئ في أدب الجريمة يشعر بتعاطف مع كل شخصية شريرة يجد سكونه و راحته من غيظه عند ارتكاب جريمة بحق النفس البشرية و ذلك بنية الانتقام و الطمع بالمال و الجشع بالسلطة.

 

هذا هو سحر المكتبات أو كما أسميها بسحر “مقبرة الحكماء”، لأنها مليئة بالعلم و المعرفة و المتعة لأناس أفنوا عمرهم لتوصيل رسائلهم الحياتية عبر الكتب التي تنشر العلم و الحكم و الخيال، هذه هي المقبرة المفضلة التي أنوي زيارة ساكنيها من الحكماء و العلماء و المبدعين في مجالاتهم المتعددة.

 

فتخيلوا هنا معي مشاهدة قرّاء عرب يجلسون في المكتبات العامة المنتشرة بكثرة و المزدحمة بالعقول المستنيرة، و المهتمة بزيادة وعي و ثقافة المجتمع المتفكر، فلا أعلم متى سيصبح هذا المنظر مألوفاً لقرّاء يسافرون عبر خيال الكلمات، و لا يحتاجون إلى الترويح عن أنفسهم عن طريق الرحلات المادية المرهقة لسفر أجسامهم فقط، و ليس لسفر ضمائرهم الحية، أرواحهم، و مخيلاتهم إلى خارج محيطهم المحدود.

 

تلك هي مقبرة الحكماء، المقبرة التي يستفاد من زيارته حقاً، و سكانه يجدون أولاد صالحين يدعون لهم بعد ممات كل عزيز، و يستفيدون من خبراتهم بعد رحيل كل فقيد من هذه الحياة. ,فهم السابقون و نحن اللاحقون لعرض تحدياتنا و نشر رسائلنا المختلفة في هذه الحياة، إن اجتهدنا لوضع بصمتنا في هذه المقبرة المميزة.

عن afaf

شاهد أيضاً

لماذا نكتب ؟.. بقلم الكاتبة / وفاء بنت إبراهيم باعشن

  نحن نكتب لأن الله قد أقسم بالقلم و ما يسطرون , إذاً القلم لها …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *